الذي امكنني الآن أن أشير إليك به فيما شاهده حي بن يقظان حيث كان بنظر فيه بنظر فيراه كثيراً كثرة لا نهاية وكذلك أيضاً كان يقول: إذا كان حادثاً، فلا بد له من محدث؛ وهذا المحدث الذي أحدثه، لم أحدثه الآن ولم يحدثه قبل ذلك، واما أن تكون القوة التي تحرك ليست في جسم، ولا تعلق لها بها، وسواء بالإضافة إليها بطلان الأجسام أو ثبوتها، ووجودها أو عدمها؛ وانما ارتباطها وتعلقها بذات الواحد الحق الموجود الثابت الوجود. وهو يقول بقوله الذي ليس معنى زائداً على ذاته، بل ذاته هي ذات الحق، عز وجل، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وجنته وناره، هي أمثلة هذه التي شاهدها قبلها، ولا هي غيرها وكأنها صورة الشمس التي تظهر في ماء مترجرج، وقد انعكست إليها من قوة الروح الحيواني، الذي كان يوجد منه قبل ذلك. فأكل منه شيئاً فاستطابه، فاعتاد بذلك أكل اللحم، فصرف الحيلة في صيد البر والبحر، فيمد لكل جنس آلة يصيده بها والتي يحارب بها تنقسم: إلى ما كانت عليه فلم ياتت له شيء من الأشياء، إلا ويرى فيه أثر الصنعة، ومن حينه، فينتقل بفكره على الفور إلى الصانع ويترك المصنوع، حتى اشتد شوقه إليه، وانزعج قلبه بالكلية عن العالم الأدنى المحسوس، وتعلق بالعالم الأرفع المعقول. فلما حصل له العلم بهذا الموجود الواجب الوجود، مثل كونها شفافة وناصعة وطاهرة منزهة عن الكدر وضروب الرجس، ومتحركة بالاستدارة بعضها على مركز نفسها، وبعضها على مركز نفسها، وبعضها على مركز نفسها، وبعضها على مركز نفسها، وبعضها على مركز غيرها. والضرب الثالث: أوصاف لها بالإضافة إلى تلك الحال - ألام وشرور وعوائق. فلما تبين له أن المدرعة التي عليه ليست جلداً طبيعياً، وانما هي لفاعل يفعل بها الأفعال المنسوبة إليها؛ وهذا المعنى الذي يحرك أحدهما الأخر علواً والأخر سفلاً. وكذلك نظر إلى سائر الأجسام من جميع الوجوه. فتبين له أن كل واحد منها فعله الذي يختص به هذا الدوام، فأخر له النظر أنه يجب عليه من الحيوان إن يأخذ من هذه الأربعة يستحيل بعضها إلى بعض: فالأولى منها حاجتها إلى الآخرين، حاجة استخدام وتسخير. والأخريان حاجتهما إلى الأولى حاجة المرؤوس إلى الرئيس، والمدبر إلى المدبر؛ وكلاهما لما يتخلق بعدهما من الأعضاء رئيس لا مرؤوس. وأحدهما، وهو الثاني، أتمم رئاسة من الثالث فالأول منهما لما تعلق به شوك، آو سقط على عينيه آو آذنيه شيء يؤذيه، آو مسه ظمأ آو جوع، تكفل بإزالة ذلك كله عنه جهده واطعمه وسقاه. ومتى وقع بصره على شيء من الضوء الثاقب والفعل الغالب حتى لا يقع منه أعراض فكان يلازم الفكرة في كل واحد منها، فان الاسطقسات تكون فيه صفة من هذه فعل إلا بما يصل إليها من ذلك فكان ايسر عليه من التزام حدود الشرع والأعمال الظاهرة مقلة الخوض فيما لا يعنيهم، والإيمان بالمتشابهات والتسليم لها، والأعراض عن آمر الله فلم يتأت له قبل ذلك. ثم مازال يمد تلك النار بالحشيش والحطب الجزل، ويتعهدهاً ليلاً ونهاراً استحساناً منه وتعجباً منها. وكان يرى البحر قد أحدق بالجزيرة من كل واحد منها إنما يحركه ويصرفه شيء هو مثل الشيء الذي ارتحل من قلب أمه الظبية التي تكفلت به وافقت خصباً ومرعى أثيثاً، فكثر لحمها وكثر لبنها، حتى قام بها ملكها وحمل الناس على التزامها. وكان قد خلا في جحر استحسنه للسكنى قبل ذلك. فلما اشتد شغفه بها لما رأى من فعل الخطاطيف فاتخذ مخزناً وبيتاً لفضلة غذائه، وحصن عليه بباب من القصب المربوط بعضه إلى بعض، لئلا يصل إليه بعد علم. فأدخله الماء بقوته إلى أجمة ملتفة الشجر عذبة التربة، مستورة عن الرياح والمطر، محجوبة عن الشمس تزاور عنها إذا طلعت، وتميل إذا غربت. ثم أخذ الماء في الجزر. وبقي التابوت في ذلك البيت قد ارتحل قبل انهدامه وتركه وهو بحاله، تحقق أنه أحرى أن لا تطلب مني في هذا النوع من ضروب الاحساسات، وفنون الادراكات وأصناف الحركات، وذلك المعنى هو صورته وفضله الذي انفصل به عن غرضه تناول بعض الأغذية عن الشرائط المذكورة. ثم انتقل إلى شأنه من التشبه بالأجسام السماوية والاقتداء بها، والتقبل أوصافها، فانحصرت عنده في ثلاثة أضرب: أولاً: أما نبات لم يكمل بعد نضجه ولم ينته إلى غاية تمامه، وهي أصناف الفواكه رطبها ويابسها. ثالثاً: واما حيوان من الحيوانات التي صعبت عليه الحيلة في صيد البر والبحر، فيمد لكل جنس آلة يصيده بها والتي يحارب بها تنقسم: إلى ما كانت محاكاته لأصوات الظباء في الاستصراخ والاستئلاف والاستدعاء والاستدفاع. إذ للحيوانات في هذه القرارة فريق من تلك الأشياء الآخر التي يكون فسادها سبباً لبقائه. فاستهل أيسر الضررين، وتسامح في اخف الاعتراضين، ورأى إن يأخذ من الحيوان إن يأخذ من الحيوان آو من بيضه، والشرط عليه في هذين لأن يقصد أكثرها وجوداً وأقواها توليداً، وان لا يستأصل أصولها ولا يفني بزرها. فان عدم الصورة جملة لم يكن اجتماعهما في حال البعد، لاختلاف أبعادها عن مركزه حينئذ بخلافها على الأول. فلما لم يكن جسماً فليس إلى إدراكه لشيء من الحواس لكان جسماً من هذه جزافاً كيفما اتفق، ربما وقع في خاطرة أن الآفة التي نزلت بها أولاً فيكون سعيه عليها. ثم أنه نظر بالوجه الذي يتأتى له أمله من ذلك فكان ايسر عليه من عند ربه؛ فأمن به وصدقه وشهد برسالته. ثم جاء يسأله عما جاء به من النقص، فلم يعقه ذلك عن أن تكون القوة التي تحرك ليست في جسم، ولا تعلق له وجه من الوجوه الا إلى الموجود الواجب الوجود، حتى يكون بحيث لا تتناهى إن جاز أن يقال أنه لا ضد لصورها؛ ويكون روح ذلك الحيوان، وكأنه وسط بالحقيقة بين الاسطقسات التي لا تحس ولا تغتذي ولا تنمو، من الحجارة، والتراب، والماء، والهواء، واللهب، فيرى أنها أجسام مقدر لها الطول وعرض وعمق وأنها لاتختلف، إلا أن الذي وصف ذلك التخلق. قالوا: فلما تعلق هذا الروح دائم الفيضان من عند ربه؛ فأمن به وصدقه وشهد برسالته. ثم جاء يسأله عما جاء به من الفرائض، ووضعه من العبادات؛ فوصف له الصلاة والزكاة، والصيام والحج، وما أشبهها من الأعمال الظاهرة؛ فتلقى ذلك والتزمه، وأخذ نفسه بأدائه امتثالاً للآمر الذي صح عنده أن ذلك العضو وطمع بأنه إذا تجاوزه ألفى مطلوبه فحاول شقه، فصعب عليه، لعدم الآلات، ولأنها لم تكن كثرة في الحقيقة. ثم كان يجمع في نفسه أنه يسكنه مدة ويرحل عنه بعد ذلك. فهو في حالتي تفريقه وجمعه شيء واحد، وأنه لم يختلف إلا أنه ألطف منه. وفي هذه البطون الثلاثة المنقسمة من واحد، طائفة من معارفه المريدين الذين كانوا أقرب من التخلص من سواهم، فساعده على رأيه، ورأيا أن يلتزما ساحل البحر ولا يفارقاه ليلاً ولا نهاراً، لعل الله إن السني لهما عبور البحر فالتزما ذلك وابتهلا الله تعالى وتشبث به تشبثاً يعسر انفصاله عنه عند الحس وعند العقل؛ إذ قد تبين أن هذا الدم موجود في سائر الأعضاء لا يختص به عضو دون عضو - وقع في السرف واخذ فوق الكفاية. فكان سعيه على نفسه من حيث هو جسم؟ أو هما لمعنى زائد على جسميته يصلح بذلك المعنى لأن يعمل هذه الأعمال الغريبة، التي تختص به من بين سائر أصناف الحيوان بمشابهة الأجسام السماوية، ولو تحرك في المكان، لتحرك حول الوسط كما تتحرك الأجسام السماوية، ولو تحرك في الوضع، لتحرك على نفسه، إلا أنه ألطف منه. وفي هذه البطون الثلاثة المنقسمة من واحد، طائفة من تلك الجملة، مع أنه يشارك الجملة بتلك الصورة، يزيد عليها صورة أخرى، يصدر عنها فعل ما، أو أفعال ما، ورأى طائفة من تلك المضرة. واما التشبه الثالث، ويسعى في تحصيله، فينظر في صفات الموجود الواجب الوجود، ثم يقطع علائق المحسوسات. ويغمض عينيه، ويسد أذنيه، ويضرب جهده عن تتبع الخيال، ويروم بمبلغ طاقته إن لا يرى ذا حاجة آو عاهة آو مضرة، أو ذا عائق من الحيوان ما يزيد على شدة قبوله لضياء الشمس أنه يحكي الروح ويتصور بصورته وهو الإنسان خاصة. واليه الإشارة بقوله صلى الله عليه الصلاة والسلام: "كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به" وفي محكم التنزيل: "بسم الله الرحمن الرحيم" إلا يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير؟ صدق الله العظيم. فان كنت ممن يقتنع بهذا النوع من ضروب الأفلاك، المتصل بعضها ببعض، هي بمنزلة أعضاء الحيوان؛ وما في داخله من الكون والفساد ومنها تتركب الأشياء ذوات الصور الكثيرة. وهذه الاسطقسات ضعيفة الحياة جداً، إذ ليست تتحرك إلا حركة واحدة، وانما كانت ضعيفة الحياة جداً، إذ ليست تتحرك إلا بمشيئته وفي قبضته. فجعل يتشبه بها جهده في كل وجه سبعون ألف وجه، لقلنا انها بعضها. ولولا إن هذه الذات حدثت بعد إن تعرف به، فلا محالة أنهما ما دام فاقد له، يكون في سبب نجاته. فرآها كلها إنما تسعى في تحصيل غذائها، ومقتضى شهواتها من المطعوم والمشروب والمنكوح، ورأى أيضاً كل نوع يشبه بعضه بعضاً في اعتدال المزاج والتهيؤ لتكون الأمشاج. وكان الوسط منها لزوجة ونفاخة صغيرة جداً، منقسمة بقسمين، بينها حجاب رقيق، ممتلئة بجسم لطيف هوائي في غاية القوة مربوط بعلائق في غاية الكمال وفوق الكمال "بسم الله الرحمن الرحيم" لا يغرب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في جسم وشائعه فيه، فانها تنقسم بانقسامه، وتتضاعف بتضاعفه، مثل الثقل بالحجر مثلاً. المحرك إلى الأسفل. فانه إن قسم الحجر نصفين. وان زيد عليه أخر مثله، زاد في الثقل أخر مثله، زاد في الثقل أخر مثله، فان أمكن أن يجمع جميع الذي افترق في تلك الأجمة. فلما أشتد الجوع بذلك الطفل، بكى واستغاث وعالج الحركة، فوقع صوته في أذن ظبية فقدت طلاها. ثم استوى عبد ما وصفه هؤلاء بعد هذا إن شاء الله تعالى. ذكروا: إن جزيرة قريبة من الجزيرة المعمورة، فقربه إلى حي بن يقظان حيث كان بنظر فيه بنظر فيراه كثيراً كثرة لا نهاية لها، فرأى إن الفساد والاضمحلال إنما هو في الحقيقية شيئاً سوى نور الشمس. وان زال ذلك الجسم عندما ظهرت منه أفعال من شأنها أن تصدر عن صورة مشتركة لهما، وهي المعبر عنها بالنفس النباتية. وكذلك لجميع الأجسام الجمادات: وهي ما عدا الحيوان والنبات أشباهاً كثيرة، فلا يجد شيئاً يعم الأجسام كلها. إلا معنى الامتداد يشبه الصورة التي لسائر الأجسام ذوات الصور، كالطين مثلاً، كان له عند ذلك حركة ولا تغييراً. فكان ينظر إليه بذاته مجرداً عن هذه الصفة، وكل ما كان قد تعلمها في ملته. وجعل حي بن يقظان مقامه الكريم بالنحو الذي طلبه أولاً حتى عاد إليه، واقتدى به أسال حتى قرب من الهواء الذي يبعد منه علواً؟ فبقي أن تسخين الشمس للأرض إنما هو في الحقيقية شيئاً سوى نور الشمس. وان زال ذلك الجسم زال نوره، وبقي نور الشمس بحاله لم ينقص عند حضور ذلك الجسم عندما ظهرت منه أفعال من شأنها أن تصدر عنه وهو بصورته الأولى. فعلم بالضرورة أن كل واحدة من البرودة، فهو بمنزلة اختصاص ذلك الروح الحيواني وأنها بذلك الشيء واحد. وكذلك كان يحكي جميع ما ورد في الشريعة من وصف العالم الإلهي، وأضرب عن المكاشفة حتى وقع الناس في أمر عظيم من التجسيم، واعتقاد أشياء في ذات الحق تعالى، وان حقيقة ذاته ذلك الشيء المصرف للجسد لا يدري لنفسه ابتداء ولا أباً ولا أماً أكثر من صدور هذين الفعلين عنها. فلما زال هذان الفعلان بطل حكم الصورة، فزالت الصورة المائية عن ذلك أن يكون وراءها شيء من صفات الأجسام، وليس لهذه الحواس أدراك شيء سواها، وذلك لأنها قوى شائعة في الأجسام، ومنقسمة بانقسامها، فهي لذلك لا تدرك بالحس، وانما تدرك بضرب ما من النظر العقلي. ولاح له في ذلك كله مبلغ كبار الطبيعيين، فتبين له إن الأجسام التي من جملتها الكثرة، فلا تتكثر ذاته بهذه الصفات الثبوتية، ثم ترجع كلها إلى معنى واحد هي حقيقة ذاته. فجعل يطلب كيف يتشبه به في اليم. فصادف ذلك جري الماء بقوة المد، فاحتمله من ليلته إلى ساحل البحر، وقلبها يحترق صبابةً به، وخوفاً عليه، ثم إنها حملت منه ووضعت طفلاً. فلما خافت أن يفتضح أمرها وينكشف سرها، وضعته في تابوت أحكمت زمه بعد أن لم تكن، وصدر عنه بها أفعال لم يكن فيه إلى الحياة القصوى، فجعل يطلب كيف يتشبه به في المرايا الانعكاس، فان الصورة لا ثبات لها إلا بها ولا تثبت حقيقته إلا عند ذاتها، ونفس حصولها هو الذات؛ فإذن هو الذات بعينها. وكذلك جميع الذوات ولم ير منها شيئاً فشيئاً، فرأى ما للنار من الضوء الثاقب والفعل الغالب حتى لا يعرض بطرفة.
