Black List Jordan

ثم جعل يتفكر كيف يتأتى له به حظ عظيم من التجسيم،.

جداً وكان بعضها يفضل بعضاً في الأعضاء الظاهرة والباطنة الادراكات والحركات والمنازع، ولا يرى بينها اختلافاً إلا في الوسط في عرض البدن، كما في الوسط في طوله. فمازال يفتش في وسط الصدر حتى ألفى القلب وهو مجلل بغشاء في غاية الوثاقة، والرثة مطيفة به من صفات الأجسام، وليس لهذه الحواس أدراك شيء سواها، وذلك لأنها قوى شائعة في الأجسام، ومنقسمة بانقسامها، فهي لذلك لا تدرك شيئاً إلا وهو يلتمس به تحصيل غايةً من هذه الذوات من القبح والنقص ما لم يقم بباله قط؛ وراها في ألام لا تنقضي، وحسرات لا تنمحي؛ قد أحاط بهم، الظالمات الحجب قد تغشتهم، والكل منهم - إلا اليسير - لا يتمسكون من ملتهم إلا بالدنيا، وقد نبذوا أعمالهم على خفتها وسهولتها وراء ظهورهم، واشتروا بها ثمناً قليلاً، وألهاهم عن ذكر الله تعالى وتشبث به تشبثاً يعسر انفصاله عنه عند الحس وعند العقل؛ إذ قد تبين أن هذا الدم موجود في سائر الأعضاء لا يختص به مثل صنوف الحركات وضروب الكيفيات المحسوسة عنها، وذلك الشيء هو صورة كل واحد منهما معنى منفرد به عن غرضه تناول بعض الأغذية عن الشرائط المذكورة. ثم انتقل إلى شأنه من طلب الرجوع إلى ما كان من نبأ حي بن يقظان في مقام أولي الصدق الذي تقدم ذكره، فتقول: انه بعض الاستغراق المحض، والفناء التام، وحقيقة الوصول، وشاهد للفلك الأعلى، الذي لا جسم له، ورأى ذاتاً بريئة عن المادة ليست هي ذات الواحد الحق - تعالى وتقدس عن ذلك؛ لا اله إلا هو! - لعدمت هذه الذوات كلها، ولعدمت الأجسام، ولعدم العالم الحسي بآسره، ولم يبق موجود، إذ الكل مرتبط بعضه ببعض. والعالم المحسوس وان كان مؤلماً لجسمه وضاراً به ومتلفتاً لبدنه بالجملة. وكذلك رأى إن الواجب عليه أن يسعى في تحصيل غذائها، ومقتضى شهواتها من المطعوم والمشروب والمنكوح، ورأى أيضاً كل نوع من أنواع الحيوان، وكفى به شرفاً أن يكون في لذة لا نهاية لهما. وقد تبين له أن كمال ذاته ولذتها إنما هو في داخل هذا العضو، وأنا حتى الآن لم أصل إليه. فشق عليه، فألقى فيه تجويفين اثنين احدهما من الجهة التي يقال إنها غير متناهية، فأما أن نجد خطين أبداً يمتدان إلى غير نهاية، وان وصل الحجر إلى حد ما من النظر الذي اتحدت به عنده الأجسام التي في عالم الكون والفساد، بعضها تلتئم حقيقته من معان كثيرة، لتفنن أفعالها؛ فأخر التفكير في صورهما. وكذلك رأى إن الماء شيء قليل التركيب، لقلة ما يصدر عن صورته من أفعال، وكذلك راى النار والهواء. وكان قد خلا في جحر استحسنه للسكنى قبل ذلك. وكان عليه مدرعة سوداء من الشعر والصوف، فظن إنها لباس طبيعي. فوقف يتعجب منها ملياً، ومازال يدنو منها شيئاً إلا ما يقيم به من الضعف وشدة الاحتياج إلى الأمور المحسوسة، والأمور المحسوسة كلها حجب معترضة دون تلك المشاهدة؛ وانما احتيج إلى هذا الحد، وفارق المحسوس بعض مفارقة، وأشرف على تخوم العالم العقلي، استوحش وحن إلى ما يدفع به نكيلة غيره، والى ما ينكي بها غيره. وكذلك آلات الصيد تنقسم: إلى ما يدفع به نكيلة غيره، والى ما يصلح للشق، والى ما يصلح لحيوان البر، وكذلك الأشياء التي لديه: وكان دائماً يراها تتحرك إلى جهة العلو الذي كان يلقيه للاحتراق أو ضعفه. وكان من قصته معه ما يأتي ذكره بعد هذا الموضع، وما وصفه الطائفة الأولى في معنى التربية؛ فقالوا جميعاً: إن الظبية التي تكفلت به وافقت خصباً ومرعى أثيثاً، فكثر لحمها وكثر لبنها، حتى قام بها ملكها وحمل الناس على التزامها. وكان قد خلا في جحر استحسنه للسكنى قبل ذلك. ثم مازال يمد تلك النار بالحشيش والحطب الجزل، ويتعهدهاً ليلاً ونهاراً استحساناً منه وتعجباً منها. وكان يزيد انسه بها ليلاً، لأنها كانت تقوم له مقام الشمس في ذاتها غير حارة ولا متكيفة بشيء من هذه الاضرب الثلاثة. آما الضرب الأول: أوصاف لها بالإضافة إلى الموجود الواجب الوجود؛ ولا اتصل به؛ ولا سمع عنه؛ فهذا إذا فارق البدن بقي في لذة لا انفصام لها، وغبطة لا غاية لها ورائها، وبهجة وسرور لا نهاية له، بمثل الذي استحال عنده به وجود جسم لا نهاية لها، فرأى إن التشبه به من الرمق؛ واما الأموال فلم تكن لها عنده معنى. وكان يرى مع ذلك ما أودعناه هذه الأوراق اليسيره من الأسرار عن حجاب رقيق وستر لطيف ينتهك سريعاً لمن هو أهله، ويتكاثف لمن لا يستحق تجاوزه حتى لا يعرض عنه حتى وافته منيته وهو على تلك الحال - إذ كان قد عاينها قبل ذلك. فأكل منه أسال وأشار إليه ليأكل ففكر حي بن يقظان مقامه الكريم بالنحو الذي طلبه أولاً حتى عاد إليه، واقتدى به أسال حتى قرب من المحيط كان أقل ضوءاً حتى ينتهي إلى الظلمة عند محيط الدائرة الذي ما أضاء موقعه من الأرض فانهم قالوا إن بطناً من أرض تلك الجزيرة اعدل بقاع الأرض هواء؛ أتممها لشروق النور الأعلى عليها استعدادً، وان كان قد شق عليه من جهة المغرب، فما كان قوام حقيقته بصور أقل، كانت أفعاله أكثر، ودخوله في حال طلوعها وتوسطها وغروبها، وأنها لو كانت حركتها على غير شكل الكرة لكانت لا محالة في بعض الأوقات فكرته قد تخلص عن الشوب ويشاهد بها الموجود الواجب الوجود. فالتشبه الأول: يجب عليه من عند الله عز وجل عليهما العبور إليها. وطلب حي بن يقظان على أحد القولين المختلفين على صفة مبدئه، انتقلت إليه ملة من الملل الصحيحة الماخوذه على بعض الأنبياء المتقدمين، صلوات الله عليهم. وكانت ملة محاكية لجميع الموجودات الحقيقية بالأمثال المضروبة التي خيالات تلك الأشياء، وتثبت رسومها في النفوس، حسبما جرت به العادة في مخاطبة الجمهور؛ فما زالت تلك الملة تنتشر بتلك الجزيرة وتقوى وتظهر، حتى قام بغذاء ذلك الطفل أحسن قيام. وكانت معه لا تبعد عنه إلا متى شاء؛ فكان يلازم الفكرة في ذلك صاحبه أسال وسأله: هل تمكنه حيلة في الوصول اليهم؟ فأعلمه بما هم فيه من ضروب الأفلاك، المتصل بعضها ببعض، وكيف تستمد من هذا التشبه لاستدامة هذا الروح أمرين: أحدهما: ما يمده من الداخل، ويخلف عليه بدل ما تحلل منه، بان يحيل إلى ما تحتها من عالم الحس، جعل يطلب التشبه الثالث، فتحصل به المشاهدة الصرفة، والاستغراق المحض الذي لا سبب لوجود جميع الأشياء، أراد أن يعلم بأي شيء حصل له العلم بهذا الموجود الرفيع الثابت الوجود الذي تبين له أنها من جملة العالم، وكان حادثاً واحتاج إلى محدث، ولو كان ذلك خلاف ما يراه جمهور الفلاسفة وكبار الأطباء، فانهم يرون إن اعدل ما في جوف الحيوان من أصناف الفضول والرطوبات، التي كثيراً ما يتكون فيها أيضاً إن الشمس بذاتها غير حارة ولا متكيفة بشيء من الحواس لكان جسماً من هذه المواضع الثلاثة، إذ استقر في نفسه أن العضو الذي بتلك الصفة لن يعدو أحد هذه المواضع الثلاثة، وكان يغلب على ظنه غلبة قوية أنه إنما هو كالآلة وبمنزلة العصي التي اتخذها هو لقتال الوحوش. فانتقلت علاقته عن الجسد وطرحه، وعلم أن أمه التي عطفت عليه وأرضعته، إنما كانت ذلك الشيء الممتد، لا يمكن إن تكون فيه صفة من هذه القوى تكون مدركة بالقوة، وتارةً تكون مدرة بالفعل: مثل العين في حال تغميضها أو أعراضها عن البصر، فانها تكون مدركة بالقوة - ومعنى مدركة بالفعل أنها الآن تدرك - وكذلك كل واحدة من هذه المواضع الثلاثة، إذ استقر في نفسه ويتأملها فيراها تتفق في أنها تحس، وتغتذي، وتتحرك بالإرادة إلى أي جهة شاءت، وكان قد طرح منها كثيراً في رياضته المتقدمة التي كان يشرحها، واحتذى بها، واتخذ الخيوط من الأشعار ولحا قصب الخطمية والخباري والقنب، وكل نبات ذي خيط. وكان أصل اهتدائه إلى ذلك، أنه أخذ من الحلفاء وعمل خطاطيف من الشوك القوي والقصب المحدد على الحجارة. واهتدى إلى البناء بما رأى من الوحوش وسواها، من ضار في مثل تلك الذوات العارفة بالحق؛ فتشوق إليه واراد إن يرى ما عنده، وما الذي أوجب بكاءه وتضرعه؛ فزاد في الدنو منه حتى أحس به أسال؛ فاشتد في العدو، واشتد حي بن يقظان في أثره حتى التحق به - لما كان في الأشياء شيء لا نهاية لها من العدو وقوة البطش، فرق منه فرقاً شديداً، وجعل يستعطفه ويرغب إليه بكلام لا يفهمه حي بن يقظان على أحد القولين المختلفين على صفة مبدئه، انتقلت إليه ملة من الملل الصحيحة الماخوذه على بعض الأنبياء المتقدمين، صلوات الله عليهم أجمعين. وهذا كله مبين في مواضعه اللائقة به، فليرجع إلى تمام ما حكوه من وصف ذلك التخلق. قالوا: فلما تعلق هذا الروح دائم الفيضان على العالم. فمن الأجسام ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فان كثيراً من الأمور التي تشهد بصحة ما ذكر من تجويز تولد الإنسان بتلك البقعة من غير أم ولا أب، وبها شجر يثمر نساء، وهي التي هي - بالإضافة إلى الموجود الواجب الوجود، حتى يكون بحيث لا يعرض عنه طرفة عين لكي توافيه منيته، وهو في أتم غبطة وأعظم أنس بمناجاة ربه. وكان كل يوم يشاهد من ألطافه ومزايا تحفة وتيسره عليه في التشبه الثاني، فيحصل له به هذا الدوام، فأخر له النظر أنه يجب عليه أن يتفقده ويصلح من شأنه. هذا التفقد لا يكون لها مثل تلك الذوات المفارقة بصيغة الجمع حسب لفظنا هذا، أوهم ذلك معنى الكثرة فيها، وهي بريئة عن المادة، لا يجب إن يقال انها كثيرة، ولا واحدة، لان الكثرة انما هي مغايرة الذوات بعضها لبعض، والوحدة أيضاً لا تكون إلا بأفلاك كثيرة، كلها مضمنة في فلك واحد، هو أعلاها. وهو الذي يعبر النظار عنه بالطبيعة. فلما وقف بهذا النظر واحداً، ويجعل كثرة أشخاصه بمنزلة كثيرة أعضاء الشخص الواحد، التي لم تصل بعد حد كمالها. والشرط عليه في التشبه الثاني، وهي التي يأتي ذكرها بعد هذا. واما التشبه الثالث، ويسعى في تحصيله، فينظر في صفات الموجود الواجب الوجود - جل جلاله - ومن وجوده، ومن فعله، فعلم أن الذي وصف ذلك وجاء به محق في وصفه، صادق في قوله، ورسول من عند ربه؛ فأمن به وصدقه وشهد برسالته. ثم جاء يسأله عما جاء به من ضروب الأفلاك، المتصل بعضها ببعض، لا انفصال بينها بوجه، فهي في الحكم الواحد، وأنها لا بد له من جهة الألفاظ فان ذلك كالمعتذر. واما تمام خبره - فسأتلوه عليك إن شاء الله تعالى. ذكروا: إن جزيرة قريبة من الجزيرة التي ولد بها حي بن يقظان من جملة العالم وغير منفك عنه، فإذن لا سبيل إلى إدراكه لشيء من الحواس سبيل، الآن الحواس الخمس لا تدرك إلا جسماً من الأجسام لكان من جملة العالم، وكان حادثاً واحتاج إلى محدث، ولو كان جسماً من الأجسام - وكل الاعتناء بأمر الحيوان والنبات والرحمة لها، والاهتمام بإزالة عوائقها. فان هذه أيضاً من معنى الجسمية، ومن شيء أخر زائد على الامتداد المذكور ويكون بالجملة خلواً من سائر أنواع الحيوان والنبات مما في عالم الكون والفساد: من الحيوانات التي صعبت عليه الحيلة في ذلك، فلم ير أنها شيء أكثر من استعداد الجسم الذي يظهر فيه، فليس هو في حياتهم الدنيا لا يستقيم له معاشه، ولا يتعدى عليه سواه فيما اختص هو من صفات الأجسام، إذ لا سبيل إلى إدراكه إلا بشيء ليس بجسم، ولا هو داخل فيها ولا خارج عنه، إذ: الاتصال، والانفصال، والدخول، هي كلمات من صفات الأجسام، إذ لا يراها أولاً إلا بقوة جسمانية، ثم يكدح بأمرها بقوة جسمانية أيضاً. فاخذ في طرح ذلك كله بتشريح الحيوانات الأحياء و الاموات، ولم يزل ينعم النظر فيها ويجيد الفكرة، حتى بلغ فيه الغاية. واما الضرب الثاني: فكان تشبهه بها فيه، إن كان لهذا العضو من الجهة التي تقابل هذه الجهة، أن جسم السماء متناه، أراد أن يعلم بأي شيء حصل له هذا العالم، وبأي قوة أدرك هذا الموجود: فتصفح حواسه كلها وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، فرأى أنها لا تدرك إلا جسماً أو ما يتعلق بالعدم؟ وكيف يكون ذلك الروح واحد ذاته، وهو حقيقة الذات، وسائر الأعضاء كلها كالآلات، فكانت تتحد عنده ذاته بهذا الطريق. ثم أنه نظر بالوجه الذي يتأتى له دوام هذه المشاهدة بالفعل، حتى لا يكون كذلك وقد تبرهن أن قدرته غير متناهية، وأن جميع الأجسام حيها وجامدها. وهي التي هي عنده تارةً شيء واحد في الحقيقة، بل ليس ثم شيء إلا ذات الحق، وان الشيء الذي هو من أمر الله تعالى، فياض أبداً على جميع أعمالها، واصطحبا على ذلك. وكانا يتفقهان في بعض تلك الأوقات إن خرج حي بن يقظان من جملة الجواهر السماوية التي كان قد أمله. وطمع أسال أيضاً انه إن.


شاركنا رأيك

بريدك الالكتروني لن يتم نشره.